درباره گسترش اعتراضات دانشجویی در دانشگاه‌های آمریکا [عمر کوش، العربی الجدید، 28 آوریل 2024]

فی اتساع احتجاجات طلبة الجامعات الأمیرکیة

آراء

عمر کوش

28 ابریل 2024

Facebook

X

WhatsApp

Share

علم فلسطین فی اعتصام لدعم غزّة وفلسطین فی جامعة تکساس فی أوستن (25/4/2024/Getty)

+

الخط

-

اتسعت رقعة الاحتجاجات الطلابیة فی الجامعات الأمیرکیة ضدّ الحرب الإسرائیلیة على غزّة، وامتد نطاقها إلى خارج الحرم الجامعی فی جامعة کولومبیا، لیصل إلى جامعة جورج واشنطن العریقة فی العاصمة الأمیرکیة، التی أسّسها أول رئیس للولایات المتّحدة فی عام 1821، وإلى جامعات مرموقة أخرى مثل جامعة نیویورک وییل، ومعهد ماساتشوستس للتکنولوجیا، وجامعة نورث کارولاینا وتکساس، وسواها، وذلک رغم إجراءات اتّخذتها إدارات بعض الجامعات، والتعامل العنیف والتمییزی لعناصر الشرطة الأمیرکیة، الذین لم یتردّدوا فی استخدام العنف، والاعتداء بالضرب على مجموعات من الأکادیمیین والطلبة، واعتقلوا عدیداً منهم. ولعلّها المرة الأولى التی تدین فیها منظّمة العفو الدولیة "التعامل العرقی والقمعی"، الذی واجهته احتجاجات الطلاب الداعمة حقوق الفلسطینیین، والمندّدة بما ترتکبه إسرائیل من جرائم ضدّهم.

تدخل احتجاجات الجامعات الأمیرکیة ضمن موجةِ تضامنٍ عالمیٍ واسعةٍ مع القضیة الفلسطینیة، تطالب بوقف الحرب الإسرائیلیة التی تشنّها إسرائیل منذ أکثر من ستّة أشهر. ومن الطبیعی أن تُلهم هذه الاحتجاجات طلاب جامعاتٍ أخرى فی العالم، إذ تظاهر طلاب جامعة السوربون فی باریس، ولأول مرة منذ بدء الحرب الإسرائیلیة على غزّة، دعماً لفلسطین، وعبّروا عن احتجاجهم على الحرب الإسرائیلیة خلال إلقاء الرئیس الفرنسی إیمانویل ماکرون محاضرة له فی الجامعة، وقاطعوا خطابَه على خلفیة الموقف الفرنسی من الحرب الإسرائیلیة على غزّة. وکذلک، احتجّ طلاب فی الجامعة الأمیرکیة فی القاهرة. ومن المرجّح أن تصل شرارات الاحتجاج إلى جامعات أخرى فی أوروبا وسواها.

لیست هی المرّة الأولى التی یعتصم فیها طلاب جامعات أمیرکیة داخل الحرم الجامعی احتجاجاً على سیاسات بلادهم، بل خرجوا فی مناسبات عدیدة إلى شوارع المدن والساحات رافعین شعارات احتجاج غاضبة ضدّ قضایا وسیاسات معیّنة. وکانت أبرزُ احتجاجاتِهم موجّهةً ضدّ حرب فیتنام، وضدّ نظام الفصل العنصری فی جنوب أفریقیا، ودفاعاً عن مطالب الحقوق المدنیة التی أسهمت بإنهاء التمییز ضدّ الأمیرکیین من أصل أفریقی. کما أنّهم حملوا مطالبات التغییر فی قضایا ترتبط بسیاسات حکومات بلادهم، وإدارات جامعاتهم، وأنظمتها التعلیمیة، وسوى ذلک.

العامل الأساس الذی دفع إلى زیادة زخم حرکة الاحتجاج الطلابی، هو قرارات الإدارات الجامعیة وإجراءاتها الصارمة، التی یعتبرها المحتجّون انتهاکاً لحرّیتهم فی التعبیر عن الرأی بشکل سلمی

وأثارت هذه الاحتجاجات العارمة ضدّ الحرب الإسرائیلیة، التی أضحت تشکّل ظاهرةً لافتةً فی الولایات المتّحدة، جنون قادة حکومة الحرب الإسرائیلیة على غزّة، فوصف بنیامین نتنیاهو ما یحدث فی جامعات أمیرکیة بأنّه "مُروّع"، واتهم "غوغاء معادین للسامیة" بالسیطرة على الجامعات الأمیرکیة البارزة. ولعلّ المثیر للسخریة والاستهجان تشبیهه الولایات المتّحدة بألمانیا خلال فترة ثمانینیات القرن العشرین المنصرم، فی إیحاء مُخاتِلٍ وزائفٍ للفترة التی انتشرت فیها النازیة وانتقلت إلى أوروبا. ولم تسعف نتنیاهو، الذی أصابته الاحتجاجات بنوع من الهلوسة، عودته إلى عُدّته القدیمة، متهماً کلّ الفلسطینیین والمتضامنین معهم بـ"معاداة السامیة" التی أوجدها أسلاف الأوروبیین الداعمین لحرب الإبادة الجماعیة، التی یشنّها نتنیاهو وحکومته على الفلسطینیین فی القطاع. أمّا وزیر الأمن القومی الإسرائیلی إیتمار بن غفیر، فقد طلب من قائد جهاز الأمن الإسرائیلی تشکیل مجموعات مُسلّحة أو بالأحرى ملیشیات من أجل "حمایة الجالیات الیهودیة هناک". ویعکس طلبه عقلیة رجل العصابة، الذی یرید تشکیل ملیشیات إسرائیلیة مُسلّحة من أجل قمع الطلاب الأمیرکیین وسواهم فی دول العالم الأخرى، بغیة إسکاتهم ومنعهم من مواصلة الاحتجاجات التی یقومون بها فی جامعاتهم، وذلک تیمّناً بما یقوم به عناصر وزارته من تعذیب وتضییق على الأسرى، ومن دعم وإسناد للمستوطنین فی اعتداءاتهم على الفلسطینیین فی الضفّة الغربیة، وحمایتهم خلال ممارستهم أفعال تدمیر وتخریب وحرق ممتلکات الفلسطینیین.

ویظهر التاریخ الاحتجاجی أنّ معظم الاحتجاجات الطلابیة کانت لها تأثیرات عمیقة على المجتمع والمشهد السیاسی الأمیرکی العام، وشکّلت محطاتٍ فارقةً فی مسار النضال المطلبی من أجل الحقوق المدنیة والعدالة الاجتماعیة، وطاولت تداعیاتها نُظُمَ عملِ وسیاساتِ الجامعات الأمیرکیة.

أطلق الطلبة فی احتجاجاتهم دعوات لوقف دائم لإطلاق النار فی غزّة، وطالبوا بإنهاء تقدیم المساعدات المالیة والعسکریة الأمیرکیة لإسرائیل، وسحب استثمارات الجامعات من شرکات تورید الأسلحة، وغیرها من الشرکات المستفیدة من الحرب، والعفو عن الطلاب وأعضاء هیئة التدریس الذین تعرّضوا لإجراءات تأدیبیة أو الطرد بسبب الاحتجاجات. لکن دعواتهم ومطالبهم لم تجد آذاناً صاغیة لدى الإدارة الأمیرکیة، الماضیة فی دعم إسرائیل على مختلف المستویات. کما أنّ إدارات جامعاتهم لم تلتفت إلى مطالباتهم بکشف جمیع علاقات تلک الجامعات مع إسرائیل، واستثماراتها فیها، ولا قطع العلاقات مع جامعات إسرائیل.

الحراک الاحتجاجی الذی تشهده الولایات المتّحدة یقوده الشباب، وسیکون له أثر کبیر على صورتها، وقد یُفضی إلى تغیرات واسعة فی سیاساتها الحالیة

العامل الأساس الذی دفع إلى زیادة زخم حرکة الاحتجاج الطلابی، هو قرارات الإدارات الجامعیة وإجراءاتها الصارمة، التی یعتبرها المحتجّون انتهاکاً لحرّیتهم فی التعبیر عن الرأی بشکل سلمی، إذ قرّرت جامعة کولومبیا، فی نوفمبر/ کانون الأول عام 2023، تعلیق نشاط مجموعتی "طلاب من أجل العدالة فی فلسطین" و"الصوت الیهودی من أجل السلام". ثمّ وصل الأمر إلى حدّ أنّ رئیسة الجامعة نعمت (مینوش) شفیق، استدعت شرطة نیویورک لإخلاء مخیّم اعتصام الطلبة فی حرم الجامعة، بعد یوم من إدلائها بشهادتها أمام لجنة فی مجلس النوّاب الأمیرکی، ثمّ قررت اعتماد نظام دراسة هجین، یجمع بین الحضور الشخصی والافتراضی. کان متوقّعاً أن یقابل قرار رئیسة جامعة کولومبیا استدعاء الشرطة إلى الحرم الجامعی بردّات فعل غاضبة من أعداد کبیرة من الطلبة، ومن أعضاء فی هیئة التدریس، لکنّ القرار یعکس مدى ارتهان رؤساء الجامعات، وخوفهم من ضغوط الساسة والمشرّعین، وذلک بعد المحاکمات والاستدعاءات التی تعرّض لها رؤساء جامعات، وأفضت إلى استقالة رئیسی جامعتی هارفارد وبنسلفانیا.

ویبدو أنّ الدرس الذی تعلّمه رؤساء الجامعات الأخرى هو أنّه یترتب علیهم الظهور بمظهر المُتشدّد أمام موجة الاحتجاجات والتظاهرات، ما یعنی أنّهم باتوا تحت ضغط نوع جدید من المکارثیة، التی فعلت فعلها فی الولایات المتحدة فی خمسینیات القرن العشرین المنصرم. لکنّ الولایات المتّحدة تغیّرت کثیراً، وما تشهده من حراک احتجاجی فی الفترة الراهنة یقوده الشباب، وسیکون له أثر کبیر على صورتها، وقد یُفضی إلى تغیرات واسعة فی سیاساتها الحالیة.